أوله رحمة .. أوسطه مغفرة.. آخره عتق من النار..
شعور رائع ينصب في قلبي عند انصباب هذه الكلمات في مسمعي، شعور يأخذني إلى عالم بعيد عن أرضية الأرض ومادية الإنسان، يجعلني أحلق إلى الأعلى حيث أرقب الكون بنظرة قلب محب حانٍ قد نسي ما مضى وابتدأ من جديد..
عادة وعندما أشرع بكتابة خاطرة ما تجدني أتلفع بوشاح الفردية لأبث في حنايا الاوراق حر قلبي ولهيب وحدتي ووحشتي في عالمي الغريب..
لكني عندما أتحدث عن رمضان لا ألبث أن أكسر صومعتي الخاصة ، وأنطلق من فرديتي إلى عالم الكل لأتحدث بلسان الكل ،ولا أستطيع إلا أن أشعر نفسي عضواً من ذلك الجسد ونفساً من تلك الأنفاس..فهذا ما علمنيه رمضان..فماذا صنعت بنا يا رمضان؟؟؟؟!
لقد جعلتنا كلاً لا يتجزأ.. صف واحد على مائدة واحدة نأكل سوية ونمسك سوية ،لم يعد ثمة مكان للتفرق والتشرذ م ،فالأبيض إلى جانب الأسود والعربي إلى جانب الأعجمي ..
لم نعد فتاتاً....
مصري! سعودي!مغربي.. شامي..لبناني ..سوداني..أمريكي..فرنسي..حبشي..
لا لا ... لقد ماتت هذه العصبية منذ أن دوى في آذاننا صوت أول مدفع رمضاني ..هويتنا اليوم (مسلم ومسلم فقط)..
نعم يا رمضان لطالما هتفنا للوحدة وصفقنا لها وحلمنا بها ووقفنا على أطلالها دون جدوى..
فإذا بك تأتي كل عام توحدنا من حيث لا ندري..
لقد أتيت يا رمضان لتساوي الفقير بالغني ، يجوعان معاً يشبعان معاً ليس ثمة من يشكو عضة الجوع وآخر يشكو غصة التخمة..
لقد أتيت لتساوي بين اليتيم وابن الأكرمين فما عاد اليتيم يشعر بالغربة التي تفتت قلبه ،لقد أصبح اليوم كل مسلم أباً له وكل مسلمة أماً، فشعر بالدنيا تضمه إلى صدرها ضمة حنو وإشفاق لتعوضه عن دفء حضن أمه وفيض حنان أبيه ...
لقد امتلأنا خيراً من الفرق إلى القدم ،فالسعيد اليوم من يرسم بسمة على شفتي فقير ، ويمسح الحزن عن وجه يتيم ، ويطعم الطعام ويصل الأرحام
والتعس من يحرم ذلك الأجر ويضيع تلك الفرصة، التي فتحت امامه ابواب الجنة وأغلقت أبواب النار...
فنظرية البيع والشراء لا زالت قائمة بمقاييس مختلفة ، فالميزان اليوم أرجح والحسنات فيه أثقل ، فالجنة في سوق رمضان بجمالها ونعيمها وقصورها وكنهها الذي لايعلمه إلا خالقها
تنال اليوم بشق تمرة وصلاة ركعة ، والنار بتجهمها ولهيبها وشررها الذي ترمي به كالقصر
تطفأ اليوم بدمعة عين ودقة قلب ..
فمرحباً بك يا رمضان حبيب جاء على فاقة ..
أهلاً بك راوياً لظمأ قلوبنا ، ومطفئاً لحر لهيبنا ، ومداوياً لجراح نفوسنا
حللت أهلاً ووطئت سهلاً
إلى اللقاء مع وحي رمضاني جديد....