: "أدرك رمضان سنة سبع وعشرين وأربعمائة ببغداد فصلّى بالناس التراويح
في جميع الشهر فكان إذا فرغها لا يزال يصلي في المسجد إلى الفجر،
فإذا صلى درّس أصحابه. وكان يقول: لم أضع جنبي للنوم في هذا الشهر ليلاً ولا نهاراً.
وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى ثم يقول: اللهم إن جهنم لا تدعني أنام فيقوم إلى مصلاه.
وكان طاوس يثب من على فراشه ثم يتطهر ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول : طيّر ذكر جهنم نوم العابدين
عن السائب بن يزيد قال:
أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب وتميما الداري رضي الله عنهما
أن يقوما للناس في رمضان فكان القاريء يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلاّ في فروع الفجر . أخرجه البيهقي
وعن مالك عن عبد الله بن أبي بكر قال: سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان من القيام فيستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر . أخرجه مالك في الموطأ.
وعن أبي عثمان النهدي قال: أمر عمر بثلاثة قراء يقرؤون في رمضان فأمر أسرعهم أن يقرأ بثلاثين آية وأمر أوسطهم أن يقرأ بخمس وعشرين وأمر أدناهم أن يقرأ بعشرين . أخرجه عبد الرزاق في المصنف
وعن داود بن الحصين عن عبد الرحمن بن هرمز قال: كان القراء يقومون بسورة البقرة في ثمان ركعات فإذا قام بها القراء في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف عنهم . أخرجه البيهقي
وقال نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقوم في بيته في شهر رمضان فإذا انصرف الناس من المسجد أخذ إداوة من ماء ثم يخرج إلى مسجد رسول الله ثم لا يخرج منه حتى يصلي فيه الصبح. أخرجه البيهقي
وعن نافع بن عمر بن عبد الله قال: سمعت ابن أبي ملكية يقول: كنت أقوم بالناس في شهر رمضان فأقرأ في الركعة الحمد لله فاطر ونحوها وما يبلغني أنّ أحدا يسثقل ذلك . أخرجه ابن أبي شيبة
وعن عبد الصمد قال حدثنا أبو الأشهب قال: كان أبو رجاء يختم بنا في قيام رمضان لكل عشرة أيام
وعن يزيد بن خصفة عن السائب بن يزيد قال:
كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة قال:
وكانوا يقرؤون بالمائتين وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان من شدة القيام . أخرجه البيهقي
السلف والجود في رمضان
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
« كان رسول الله أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان
إنّ جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه رسول الله القرآن فإذا لقيه جبريل كان رسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة » متفق عليه
قال المهلب: وفيه بركة أعمال الخير وأن بعضها يفتح بعضا ويعين على بعض ألا ترى أن بركة الصيام ولقاء جبريل وعرضه القرآن عليه زاد في جود النبي وصدقته حتى كان أجود من الريح المرسلة
وقال ابن رجب: قال الشافعي رضي الله عنه: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل كثير منهم بالصّوم والصلاة عن مكاسبهم .
وكان ابن عمر رضي لله عنهما يصوم ولا يفطر إلاّ مع المساكين . وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل .
السلف وتنوع القربات
وقد كان للسلف في كل باب من أبواب القربات أوفر الحظ، وكانوا يحفظون صيامهم من الضياع في القيل والقال وكثرة السؤال . لذا تجد ;كثيراً منهم قد لازم المسجد ليحفظ صيامه وينقطع عن الناس ويتفرغ للعبادة.
عن طلق بن قيس قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: إذا صمت فتحفظ ما استطعت .وكان طلق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلاّ لصلاة . أخرجه ابن أبي شيبة
وكانوا حريصين على استثمار أوقاتهم ، واغتنام ساعات الليل والنهار كما مر معنا . وكان أحدهم أشح على وقته من صاحب المال على ماله . قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي.
وقال ابن القيم رحمه الله : إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها
وخلاصة رمضان السلف:
الإمساك عن تعاطي جميع المفطرات الحسية والمعنوية،
وفعل ما يرضي الله، يحتسبون نومتهم كما يحتسبون قومتهم، يتنافسون في الطاعات والقربات،
ويفرون من مقاربة المعاصي والسيئات،
يحفظون صيامهم من جميع المفطرات،
يعملون بكتاب الله وسنة رسوله،
ويوصي بعضهم بعضاً بألا يكون يوم صوم أحدهم كيوم فطره،