عدد المساهمات : 1286 تاريخ التسجيل : 27/01/2012 الموقع : همسات بنفسجية
موضوع: الساعات الأخيرة من رمضان 30/07/13, 02:12 pm
ها قد رأيت أيها المسكين كيف تفلتت أيام رمضان، أوشك رمضان أن ينتهي .. فاز فيه من فاز، وخسر فيه من خسر .. لذلك فإن المؤمنين المتقين يقضون آخر أيامهم في محاسبة النفس على ما مضى، وعلى ما فرطوا فيما يجب أن يهتموا به، يحاولون أن يستدركوا ما فات لعل الله تعالى في يومهم هذا يرى منهم بعد محاسبتهم لأنفسهم، الحزن الشديد والضيق والألم والبكاء على أنهم لم يفعلوا ما يستحقون به جائزة الله تعالى وما يكون سببًا لحياة قلوبهم ..
فلعل تلك المحاسبة وذلك الندم أن يكون سببًا في أن يرحمهم ربهم، وأن يتوب عليهم،،
ومن وظائف الساعات الأخيرة:
أولاً: الاستغفار والتوبة لذلك فقد اختصت هذه الساعات الأخيرة بوظائف جديدة وأحوال مختلفة ينبغي أن تسيطر على حال المؤمنين: وأولها الاستغفار عقيب أعمالهم .. فيكونون أشد استغفاًرا في نهاية العمل، ويكون الاستغفار هو الطابع الذي يطبعون به أعمالهم؛ حتى يجبر الخلل في هذه الأعمال لترتفع إلى الله تعالى.
لما نزل قوله تعالى { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (*) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (*) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [سورة النصر] .. كان إشارة إلى قرب نهاية عمره الشريف ، فأمر أن يختمه بالاستغفار .. فلم يكن النبي يترك الاستغفار بعد ذلك إلى أن لقي ربه مع شدة الاجتهاد الذي رأيناه منه ، فكان يقول: "سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه" [السلسلة الصحيحة (3157)]
ورأي جمهور العلماء إن من صام وقام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له، ولكنه لابد وأن يكون قد تحقق بالتوبة من الكبائر .. فلابد وأن أن يتوب فيما بينه وبين الله تعالى وأن يعزم على ألا يعود إلى الذنب؛ حتى تمحو سيئاته كلها، ولا يبق له ذنب .. أما أن ينتظر ذلك بغير صيام يستوجب المغفرة أو قيام يستوجب المغفرة، فإن ذلك محض الخيال ومحض الآمال التي نحن فيها اليوم!
أما إن كان ينتظر أن تنتهي هذه الأيام من الطاعة ليعود إلى ما كان عليه من التفريط والتقصير أو من السيئات والذنوب .. فعمله مردود وغير مقبول، وباب التوبة وباب القبول في وجهه مغلق .. إلا أن يقدم التوبة والعزم على ألا يعود إلى ذنب أبدًا.
لأن دليل القبول: التوفيق للحسنة بعد الحسنة، ودليل الرد: هو عمل السيئة بعد الحسنة .. فإذا عاد إلى السيئات والمعاصي والتفريط في العمل الصالح، دلَّ على أن عمله لم يُقْبَل وأنه لم يكن صالحًا .. وأنه إذا عاد إلى الحسنات وإلى العمل الصالح بعد العمل الصالح، دلَّ على قبول هذه الأعمال؛ لأن من جزاء العمل الصالح وجزاء قبوله أن يوفق لغيره من الأعمال الصالحة.
وكذلك لابد أن يتنصل من الذنوب والمعاصي فيما بينه وبين الناس .. أن يكون التسامح والتصافي والتجاوز بين المؤمنين هو شعارهم؛ حتى يتجاوز الله تعالى عنهم وحتى يختم أعمالهم بالتوبة فتكون في محل القبول عند الله تعالى؛ لأنه إذا كان لا يغفر سبحانه وتعالى في النصف من شعبان لمتشاحنين أو مشرك، فمن باب أولى ألا يغفر لمتشحانين في رمضان.
فالحذر الحذر أن تضيع تلك الأيام كما ضاع غيرها، الحذر الحذر في أن تكون سبب شقاء نفسك وإبعادك بسوء عملك وقلة أدبك مع الله تبارك وتعالى .. بتهاونك وتكاسلك، وتقديم الدنيا الفانية والراحة الزائلة على الراحة الباقية وعلى الحياة الدائمة.
ثانيًا: التفكر في سرعة انقضاء الدنيا
فلا يلبث رمضان أن يبدأ حتى ينتهي فلا يبقى إلا قليلاً، وهذا هو حال الدنيا .. كما ذكر الله تبارك وتعالى {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (*) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } [المؤمنون: 112,113]
فعندما يأتي يوم القيامة، يأتي هكذا كرمضان لم يلبث شيئًا وانتهى ...
وكذلك العمر لم يلبث شيئًا وانتهى!
لهذا ينبغي على المؤمنين في هذه الأيام أن يتفكروا في سرعة انقضاء الدنيا وسرعة إقبال الآخرة، وأنهم ينبغي أن يكونوا من أبناء الآخرة فيستعدوا الاستعداد الكافي في بقية عامهم .. لأن رب رمضان هو رب شوال ورب شعبان ورب بقية الأشهر، وأن هذه الأشهر تمر بهذه السرعة التي يمر بها رمضان، وأن الحازم الحذر الذي يخاف أن يؤخذ بغتة فيوطن نفسه على الاجتهاد وعلى الحذر من أن ينقضي عمره على الغفلة أو المعصية.
وإذا عَلِم المرء سرعة انقضاء عمره، لم يسوِّف عمل اليوم إلى الغد .. لأنه لا يضمن عمره وأنه يوشك أن ينتهي، وأن يرحل إلى الله تعالى، وهذا يوضح ما يكون المؤمنون عليه في كل أحوالهم من العمل الصالح وهو قول النبي "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ"، قيل: كيف يستعمله؟، قَالَ "يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبل الموت، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ" [صحيح الجامع (305)]
ومعنى ذلك أنه لابد وأن يكون في كلِّ أحواله على أعمال صالحة؛ لأن هذه الدنيا توشك أن تنتهي على هذا الحال الذي انتهى عليه رمضان .. حتى إذا انتقل إلى الله تعالى انتقل على عمل صالح، فدلَّ على أن الله تعالى يحبه وأنه في موضع رحمة الله تعالى به وإرادة الخير له.
فالعاقل علم سرعة انقضاء هذه الفترة القليلة، وعلم أن لبثه في الدنيا قليل وأنه يسرع به لينتهي؛ لعل الله تعالى أن ينظر إليهم نظرة رحمة، فيغفر لمحسنهم ويتجاوز عن مسيئهم ..
فانظر على أي الأحوال تود أن تكون عند تسليم الجوائز؟!
ثالثًا: زكاة الفطر
وفي نهاية الشهر يُخْرِج الناس زكاة الفطر طهرة للصائم .. عبادة عظيمة شرعها لنا ربنا رفقاً بالفقراء، وإغناءً لهم عن السؤال يوم العيد، وكذلك فرض الرسول زكاة الفطر؛ ليرقِّع الصائم ما وقع في صيامه من خرق .. من لغو، ورفث، وغيبة، وكذب، وإيذاء .. الذي لا يكاد يخلو منه صوم صائم.
فكل من عنده زيادة على نفقته، ونفقة أهله يوم العيد يلزمه أن يخرج زكاة الفطر .. فيخرجها الإنسان عن نفسه، وعن من ينفق عليهم من الزوجة والأبنــاء والأقارب.
والسُّنَّة أن تُخرج الزكاة كطعام .. عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب. [متفق عليه]
ويجوز أن ننتقل من الطعام الأغلى إلى الأرخص، ما دام من طعام الآدميين، وليس رديئاً لا تقبله النفوس .. وكلما كان الطعام أغلى وأرغب للفقراء والمحتاجين، كان عند الله أطيب وأكثر أجرًا.
وتؤدى زكاة الفطر قبل صلاة العيد .. ولا مانع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، وليحرص المسلم على إخراجها، ومعرفة مكان الفقير ليذهب بها إليه وهو الأفضل، ولا حرج أن يوكل بها أحداً سواء أعطاه بها مالاً ليشتري، أو أعطاه الطعام ليوصله.
وينتهي وقت الجواز بصلاة العيد .. فلابد من إخراجها قبل.
رابعًا: صلاة العيد وأحكام يوم العيد ومما يختم به هذا الشهر المبــارك تلك الشعيرة العظيمة بعده، وهي صلاة العيد، يوم المسلمين العظيم .. اليوم المشهود البركة، التي أوصى النبي بإخراج النساء من أجلها، يشهدن الخير، ودعوة المسلمين .. ويَحْرُم الصوم في يوم العيد.
ومن سنن يوم العيد:
- الاغتســـال ..
- والأكل قبل الخروج لصلاة العيد ..
- والحرص على أن تكون النساء بالحجاب الكامل غير متعطرات، وغير متجملات .. بخلاف الرجال، فإنه يشرع لهم التجمُّل في الخروج لصلاة العيد.
- والتكبيــر .. ويبدأ بغروب شمس ليلة العيد.
وينبغي أن نحرص على أن نكون في طاعة الله باستمرار، في العيد وفي غير العيد .. فإن بعض الناس إذا جاء العيد كأنما فكت أبواب المحرمات عندهم، ورفعت المحظورات والحدود، فصاروا يغشونها في كل وقت .. بل العجب ممن يخطط للمعصية في العيد، في أيام العشر الأواخر من رمضان !!
والتوبة النصوح هي حذف المنكرات والمعاصي كليًا .. وليست عميلة تأجيل؛ لأن بعض الناس ينظر إليها على أنها عملية تأجيل المعاصي لما بعد العيد .. بل إنها محرمة في كل أيام السنة.