بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد.. فأخي في الله ،،،
ونحن في نهاية السنة.. وبدأت السنة تلفظ ألفاظها الأخيرة، أريد أن أسألك:
كم مرة نجحت، وكم مرة رسبت في هذه السنة مع الله؟
فلنقف وقفة قبل دخول العام الجديد؛ لنستدرك بتوبة (اللهم تب علينا توبة نصوحًًا، اللهم تب علينا توبة ترضيك، اللهم وتقبل توبتنا واغسل حوبتنا، وامحُ خطيئتنا، وارفع درجاتنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا)، لتكن هذه هي الوقفة الأولى والمشهد الأول من وقفاتٍ مع العام.. مشهد إقامة الحُجة.
نعم.. أخي في الله ،،،
إذا أردنا أن ننظر إلى عام مر، لنسترجع أول المحرم الماضي، وكأنه بالأمس، سبحان الملك..! هكذا تمر الأيام.. وصدق الحبيب سيد الأنام محمد حين أخبر أن من علامات الساعة تقارب الزمان؛ تقارب الزمان: فيكون الشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كاحتراق السَعفة.. تسارع الزمان!، انظر إلى عام مر، هل تذكر أخي أول المحرم الماضي؟.. هل تذكره؟ وقد أقيمت عليك منذ ذلك اليوم حجج طيلة العام.
حُجج عليك
أول هذه الحجج.. ما يتكرر كل ليلة.. نعم.. كل ليلة، فالله الملك العظيم ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل في كل ليلة، نزولاً يليق بجلاله وكماله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، فيقول: "هل من مستغفر فاغفر له، هل من تائب فأتوب عليه، هل من سائل فأعطيه" المسند الصحيح - صحيح، تخيل أن هذه الفرصة كل ليلة.. وأنت نائم لا تدري..!
ورسبت في جميع الليالي، حتى الليلة التي قمتها.. قمتها شهوة وحظ نفس وسمعة، ثم أعطاك الملك فرصة فبسط الملك لك يده بالنهار ليتوب مُسيء الليل، وظل الملك يبسط يده بالليل لتتوب من سيئات النهار، ويبسط يده بالنهار لتتوب من تلفاز الليل، وأنت تلهث خلف لقمة العيش وتنسى الله!
ثم استزدت من الحجج.. فزادك الملك وجعل لك مواسم.. هي فرص نهائية ليمحو لك ما تقدم وما تأخر، فقال لك حبيبه محمد : "من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار خندقًا" صحيح- صحيح الجامع، والخندق مسيرة سبعين عامًا، وما زلت مُفرطًا!، وإذا صمت أيها المغبون.. أيها المسكين.. فصومك يلتاس ويختلط بغيبة ونميمة وكذب وزور وبهتان وحلف وفحش... فخرَّقت صيامك، فلم تأخذ منه حظك.
نعم.. أخي ،،،
أعطاك الله صلوات خمس يمحو الله بها الخطايا كل يوم، وأعطاك كل جمعة فرصًا، قال رسول الله : "الجمعة إلى الجمعة والعمرة إلى العمرة مُكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" صحيح - صحيح الجامع، وقال رسول الله : "من غسَّـل واغتسل، وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، وأتى الجمعة فاقترب وأنصت، واستمع ولم يلغ، وصلى ما كتب له، كتب الله له بكل خطوة خطاها عمل سنة صيامها وقيامها" صحيح- صحيح الجامع، الله أكبر! هل وجدت أكرم منه؟!
ثم جاءت شهور البركة (رجب وشعبان ورمضان) ويعطيك الملِك فرصًا لا يعطونها في المدارس، ولا في الكليات، ولا في الجامعات.. أبدًا، فإنه أكرم الأكرمين.. وأجود الأجودين.. فهو الله.. نعم الرب ربنا. أعطاك فرصًا في كل يوم من أيام رمضان لك دعوة مستجابة، وفي كل ليلة من ليالي رمضان فرصة لعتق رقبتك من النار، وفي صيام رمضان مغفرة ما تقدم من ذنبك، وفي قيام رمضان مغفرة ما تقدم من ذنبك، وفي قيام ليلة القدر مغفرة ما تقدم من ذنبك، وأتى رمضان ومر رمضان.. فهل أعتقت رقبتك؟
ومرت الفرص وأدخل عليك الملِك موسم الحج، وزعمت أنك لا تملك مالاً؛ فالحج بالآلاف، وزعمت أنك لم تحصل على التأشيرة لصعوبتها في هذه الأعوام، فأزاح الملك عِلَلِك، وأزال مبرراتك، فأخبرك حبيبه محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن العمل في العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج.
وأريد أن أسألك في هذه الوقفة الأولى والمشهد الأول في نهاية العام:
هل نجحت في كل الفرص السابقة فاغتنمت ولو فرصة واحدة لتتخطى مرحلة في حياتك؟
- لا تلتفت وأجب: هل أعتقت رقبتك من النار في رمضان؟
- وكما أعهدك دائمًا فستجيبني: الله أعلم.
- وأقول لك: أنا أعرف أن الله أعلم، ولكن أريد إجابة واضحة: هل أعتقك رقبتك من النار في فرص رمضان؟
ثلاثون فرصة.. في كل ليلة فرصة.. فهل أعتقت رقبتك من النار؟ وبالطبع لا.
- وإن قلت: لماذا تفترض هذا يا شيخ؟
- فأقول: لو أعتقت رقبتك من النار ما كان هذا حالك اليوم (اللهم أعتق رقابنا من النار ورقاب آباءنا وأمهاتنا).
نعم.. أخي ،،،
وكانت أمامك فرص لمغفرة الذنوب المتقدمة وضاعت الفرص، إذا أردنا أن نُحصيها فرصًا للنجاح والإعادة فسنجد أن الله الكريم أعطاك أكثر من ألف فرصة.. أكثر من ألف فرصة لكي تنجح، فماذا لو لم تنجح؟
فاشهَد على نفسك يا عبد الله.. ماذا يصنع فيك ربك إذا لم تنجح بعد كل هذه الفرص؟، في المدارس إذا رسبوا سنتين فصلوهم، وإذا أعادوا أربع مواد أرسبوهم... إلخ، فهناك شروط وضوابط لكي تسير العملية التعليمية، فكذلك هنا.. الله يربي عباده، لكي تسير العملية التربوية، فلابد من ناجح وراسب، ومتفوق وخائب، فأيهم أنت؟
إنني سأحسن بك الظن وأقول أنك نجحت.. نجحت هذا العام.. نجحت هذا العام وأعتق الله رقبتك من النار.. نجحت وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك.. نجحت ولكن عمرك لم ينته، بل زاد التحدي، وبدأ الشيطان يلعب عليك هو وجنوده، وصار يأتيك من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك ومن تحتك (اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا)، وتراكمت عليك الفتن.
ما المخرج من الفتن؟
: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران- آية:102، فاثبت على الإسلام حتى تلقى ربك به. (اللهم يا ولي الإسلام وأهله، مسِّـكنا بالإسلام حتى نلقاك به)
نعم.. أخي ،،،
استمسك، وإن تساءلت (بم تستمسك؟)، فاستمسك بالعروة الوثقى.. نعم العروة، أتعلم العروة التي يدخل فيها الزر والتي نسميها أيضًا "عروة"، فكأن ربك جعل لك عروة تستمسك بها فترفعك، وإن من شروط التوبة الإقلاع عن الذنب.
هل سافرت مرة في طائرة؟.. يقولون لك (موعد الإقلاع).. ما معنى الإقلاع؟، الارتفاع أن تقلع عن الأرض لترتفع إلى السماء هذا هو الإقلاع فهذه العروة تساعدك على الإقلاع، فهي تقتلعك من الأرض السوداء.. تقتلعك من الشهوات.. من الذنوب والمعاصي.. تقتلعك.. لترتفع إلى سماء الطاعات من حضيض الآفات.
كيف تستمسك بالعروة؟
أخبرك الله بذلك في آيتين في القرآن أولهما ما ورد في سورة البقرة.. يقول ربنا جل جلاله {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ(257)} البقرة.
{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فأتيه مختارًا راضيًا محبًا طالبًا، {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} أي قد وضَحت الطريقتان وبانت لكل ذي عينين فهيا انطلق، {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} فلابد من التطهير أولاً، فالتخلية قبل التحلية.
أولا: تطهير القلب
فالقلب يمتلئ ويُفَرغ، فلابد من تفريغ القلب ليدخله النور، كما أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب أو صورة، فلا تدخل الملائكة أو لا يدخل الخير ولا يدخل النور قلبًا مشحونًا بالكلاب والصور، وهناك كثير من القلوب مليئة بالكلاب النابحة، والصور الشاخصة!، فلابد من تطهير القلب... {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ}.
ولا ينبغي أبدًا أن ينصرف ذهنك إذا قلت {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} إلى الحاكم أنه الطاغوت، أو إلى القبور الشاخصة أنها الطواغيت، وإنما ينبغي أن ينصرف ذهنك ابتداءً إلى طواغيتك الشخصية.. طواغيت قلبك أنت:
- فقد تكون (زوجتك) هي طاغوتك.
- وقد يكون (دكانك)هو طاغوتك.
- وقد يكون (مالك)هو طاغوتك.
- وقد يكون (جمالك.. شخصك) هو طاغوتك.
- وقد تكون (الشهرة) التي تطلبها هي طاغوتك.
- وقد تكون (الراحة) هي طاغوتك.
فطهر قلبك أولا من الطواغيت، قال الله جل جلاله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27)يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً (28)} الفرقان، فكل إنسان له (فلان) تحديدًا.. فلان يُضله.. فلان يَصمه.. فلان يَعميه.. فلان يصده.. فلان يُعيقه.. فلان، فتخلص من فلانك تصل إلى الله.
{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} البقرة-آية:256. ولم يقُل (امسك) وإنما قال (استمسك)، وكما يقول اللغويون أن زيادة المبنى تفيد زيادة المعنى، فاستمسك لها معنى أكبر من امسك، استمسك طلب معنى الإمساك فلابد من الهمة ابتداء لابد من الرغبة والعزيمة ابتداء.
ثم الآية الثانية في سورة لقمان.. يقول ربي وأحق القول قول ربي: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} لقمان-آية:22.
ثانيًا: إسلام الوجه لله
{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ}.. فسلِّم وجهك.. سلمه، قال علماؤنا: المقصود هو إسلام الوجهة أي أن تتجه بكُليَتك إلى قلبك، قالوا: الإخلاص تغميض عين القلب عن الالتفات إلى سوى الله تعالى.
أيها المتلفت.. أيها الملتفت.. أيها المذبذب.. أيها المتردد.. أيها المتربص.. تلكم صفات المنافقين، أما الموحد فإنه ذو وجهة واحدة لا يلتفت. لمَّا أتى حذيفة بن اليمان الموت جلس عبد الله بن مسعود عند رأسه فقال ابن مسعود لحذيفة: "أوصني"، فقال حذيفة: "ألم يأتك اليقين؟" قال ابن مسعود رضي الله عنهما: "بلى وعزة ربي"، قال: "فإياك والتلون فإن دين الله واحد".
أخوتي في الله ،،،
إننا في زمان - ومع شديد الأسف- كثر فيه التلون والتلفت والتربص والتذبذب، وصار الناس كما يقولون مع الرائجة.. أيما طريق وجدوا فيه (مصلحة) فإنهم يسلكونه وينسون الله، نعم.. إننا بحاجة حقيقة إلى إسلام الوجه إلى الله، وإذا أسلمنا وجوهنا إلى الله حقيقة فلن نرى إلا الله.. لن نرى إلا فضله.. طريقه.. وكرمه.. وجوده.. ورحمته.
قد تعلقت قلوب الناس اليوم بالأسباب، فيظن الإنسان أن دكانه هو رازقه، ويحسب أن من يعمل عنده هو ولي نعمته، ويظن أنه يأكل من عرق جبينه ومن لحم أكتافه، ويظن أنه بسعيه رجلاً وبعقله مدبرًا، وينسى أن كل ما هو فيه.. قدر من قدر الله جل جلاله.
ولتسليم الوجه لله لابد من:
أ) توحيد الربوبية
توحيد الربوبية هو الرضا بالله مُقسمًا للأرزاق، توحيد الربوبية هو أن توحد الله بأفعال الله.. فهو من ينزل المطر.. يُنبت الزرع.. يُمرِض ويشفي.. يُحيي ويُميت.. يَرزق ويمنع.. يرفع ويضع.. يُسعد ويُشقي.. يُفقر ويُغني..فهو الله {بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} المؤمنون-آية:88.
هذا هو توحيد الربوبية، فالأصل أن يتعلق قلبك بالله، وتعلم أن مسبب الأسباب وخالق الأسباب ومدبر الأمور هو الله، فكم دبرت بعقلك أمورًا، ورتبت تدابير، وأفسد الله كل ذلك وغلب قدر الله {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} يوسف-آية:21، يقول القرطبي رحمه الله في التفسير: لما دخل عزيز مصر على زوجته وهي تراود يوسف عن نفسه بادرته بالكلام، واتهمت وحكمت وظنت أنها غلَبت، فغلب قدر الله فنطق طفل فأنجى الله به يوسف {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}، فالأمر ليس بيدك فأسلم وجهك لله.
أيها الإخوة ،،،
لكي نُسلم وجوهنا لله، لابد من هذا التوحيد أولاً، فترفع من قلبك كل من تظن أنه سبب لسعادتك، فتبقى سعادتك بيد الله وحده، فتُسلم له، نعم.. أخي.. قال الله الملك جل جلاله العلي الكبير المتعال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} النساء-آية:125.
ب) الحنيفية
إسلام الوجه لله لابد فيه من حنيفية، (الحَنًف) في اللغة يعني الميل، فلابد من ميل إلى جهة الله. كثير من الناس يريد أن يجعلها وسطًا، فيقول: أعطِ لكل أحد حقه، واجعل الدنيا تسير والآخرة تسير، وهذا لا يصلح عند الله، الآخرة تسير والدنيا ليس مهم أن تسير، وسيُسيُرها الله، لكن لابد من حنف.. لابد من ميل إلى الله؛ قال الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} البقرة-آية:165، هم يحبون الله ولكن يحبون آخرين كحب الله، يحب سيارته كحب الله ويؤثرها على الله، يحب دكانه ومهنته وماله كحب الله.. فهي تُـنسيه الله، يحب زوجته أو أولاده أو أحد أولاده كحبه لله، بل هناك من يحب نفسه.. يحب جسده.. يحب شكله.. يحب رشاقته.. يحب أناقته.. يحب شهرته.. يحب كلامه.. إلخ، هو يحب شخصه "أنا" أكثر من حبه لله.
أخوتاه ،،
ضعوا أيديكم على الحقيقة، حتى لا يظل كلامنا دومًا نظريًا فهذا واقع، ابحث وفتش ونَقب وقلّب في قلبك من الأحب إليك.. الله أم غيره؟، فلابد من ميل إلى جهة الله، ولعل من سِر ذلك أن الله خلق قلبك في الجهة اليسرى من الصدر مائلاً إلى جهة اليمين، فأصل القلب خُلق مائلاً؛ لتميل جهة الله، هذا هو إسلام الوجه لله.
ثالثًا: الإحسان
{وَهُوَ مُحْسِنٌ}... الإحسان عزيز في زمانٍ لا تكاد ترى فيه إلا سوءًا، أخي أنا أحبك في الله -والله.. وأُقسم عليها يمينًا مُنعقدة أني أحبكم أيها الموحدون أحبكم في الله- ومن منبع هذا الحب.. لا التشهير أو سوء الظن.. بل الحب هو الذي يدفعني للحرص عليكم، وأستحلفكم بالله.. (فبِروا يميني) أن يجلس كل واحد منكم الليلة مع نفسه، مجلسًا ليسترجع شريط العام الماضي، يسترجع الشريط من أوله، ثم ينظر، أين الإحسان في حياتك؟ هل عملت عملاً لله فأحسنته؟ هل أحسنت إلى إنسان أساء إليك؟ هل أنت من المحسنين؟ هل تعبد الله بالإحسان كأنك تراه؟
وقفة.. لنتساءل:
أين الإحسان في حياتنا؟
مع شديد الأسف أننا وفي عصر سموه عصر السرعة، كل أعمالنا مرتجلة (هرجلة) على السرعة، فافتقدت الإحسان، أن يحسن الإنسان عمله، وإذا نظرت إلى المسجد، أي مهندس سيقول لك: كل هذا البناء خطأ، حتى أعمال الكهرباء خطأ، حتى الزجاج خطأ، رغم أنه بيت الله، فأين الإحسان؟ لماذا نرضى بأي شيء؟ لماذا؟
إنني أريدك أن تتوقف في حياتك بدقة:
- أين الإحسان في صلاتك؟
- أين الإحسان في صيامك؟
- أين الإحسان في ذكرك لله؟
- أين الإحسان في دعائك؟
- أين الإحسان في تلاوتك للقرآن؟
- أين الإحسان في عملك الدنيوي؟؟
- أين الإحسان في ملابسك؟
- أين الإحسان في معاملتك للخلق؟
- أين الإحسان؟ ........{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}.
أيها الإخوة ،،،
الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، سبحان الملك!، لو أن قلبك استشعر أن الله.. العظيم.. الملك.. الجبار.. الله.. الكبير المتعال.. الله.. "الله الذي حجابه النور لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما امتد إليه بصره من خلقه" صحيح-صحيح الجامع، لو استشعرت أنه قريب منك ينظر إليك أنت، ينظر إليك أنت شخصيًا.. ينظر إليك!!!! فأين الحياء من الله؟
قال علماؤنا في وصف الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، قالوا: "الحضور والمراقبة"، الحضور: حضور القلب، والمراقبة: أن تراقب ربك. ويا لها من وقفة على رأس السنة.. وقفة لحساب جدي لتصحيح الأوضاع، لا لتوفيق الأوضاع، لكي ننطلق إلى الله على بصيرة، فليتكم تَصدُقون مع الله كي يصدقكم جل جلاله في هذه الوقفة.
إخوتي في الله ،،،
إننا بحاجة إلى ضبط أعمارنا منذ الآن بالثواني.. لمعرفة الزيادة والنقصان من الأيام، هكذا الأعوام تكر وتفر وتمر، وستسلمك الأيام في بعض مَرها، بل ستسلمك الساعات في بعض مَرها إلى ساعة لا ساعة لك بعدها. (اللهم ارزقنا حسن الخاتمة، اللهم لا تتوفنا إلا وأنت راض عنا)
إنني وأنا استشعر قصة ذاك الرجل قاتل المائة نفس، الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا ثم قتل العابد فأكمل به المائة، ثم أمره العالم أن يترك بلده إلى أرض خير يعبد الله فيها، فإذا به في الطريق يموت.. ماذا لو تأخر ساعة؟ أي الملائكة كانوا يأخذونه؟، كذاك أنت ماذا لو تأخرت ليلة؟ ماذا لو أجلت التوبة ساعة؟ أخشى أن يفترسك الموت فتلقى الله وهو عليك غضبان، عجِّل بتوبتك الآن، فإنك لا تدري متى يهجم عليك ملك الموت.
أيها الأخ الحبيب ،،،
حتمًا ستلقى الله وسيسألك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: "ما منكم إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان" صحيح - الجامع الصحيح، ستقف أمام الله مباشرة، وسيسألك مباشرة بلا واسطة، كما جاء في نص الحديث: "عبدي ألم أخلقك وأزوجك وأذرك ترأس وتربع فلِمَ عصيتني"، بالله عليك.. ماذا ستقول له؟
عندما يقول لك: طالما أنت مسلم، وتعرف أنني أسمَعك فلماذا كذبت؟ ماذا تقول له؟، وليس هناك مجال أن تهز رأسك أمامه، الله يومها يقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} غافر-آية:16، الله.. الجبار.. بم ستُجيبه؟ عبدي ألم أعد عليك الفرصة في سنة واحدة ألف مرة فلم كل مرة خنتني؟ وأنا أناديك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ} الأنفال-آية:27، لا تخونوا الله.. لا تخونوا الله. إنني سُقت إليك هذا المشهد الآن.. أن الله سيكلمك ليس بينك وبينه ترجمان؛ لكي تتذكره من الآن... {وَهُوَ مُحْسِنٌ} كأنك تراه.
رابعًا: دع عواقب الأمور لمُدبر الأمور
{وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} لقمان-آية:22، إن كثيرًا من المسلمين مازال في أوامر الله يخشى العواقب، فهو لا يُعفي لحيته خشية العواقب، يخشى أن يُضر أو يُؤذى.. إلخ، هو لا يُغلق محله ساعة الصلاة خشية فرار الزبون، ويقول: "لمَّا يفر الزبون لا نجد طعامًا نأكله، وعندما لا نجد طعامًا سنغلق، وعندما نغلق سنُفضَح، وعندما نُفضَح سَنُدان، وعندما ندان...إلخ"... فهو يخشى العواقب، والله يُطمئن قلبك، أسلم وجهك وأحسن، والعواقب عند الله وبيديه.. فلا تخشى العواقب {وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}، طالما أن الله معك فمن عليك؟
نعم.. إخوتي ،،،
أنا أحبكم في الله، أريد أن تستخلص مما ذكرنا.. وقفة..استحلفتك فيها وأقسمت عليك - ومن أخلاق المسلمين إبرار المُقسم- أن تبيت الليلة مع ورقة وقلم؛ لتسترجع أحداث السنة الماضية وتتوب إلى الله، فإن التوبة تجُبّ ما قبلها، ثم تستمسك بالعروة الوثقى بالتخلص من طواغيتك والكفر بطواغيت الأرض، وإثبات الإيمان بالله بتوحيد الربوبية وتوحيد الإلوهية وتوحيد الأسماء والصفات، ثم يُخرجك الله من الظلمات إلى النور.
استمسك بالعروة الوثقى: بإسلام الوجه لله... الاستسلام التام... الاستقامة، والإحسان... وهو الحضور والمراقبة، ثم دع العواقب.. دع عواقب الأمور لمدبر الأمور (اللهم اختر لنا وخِر لنا فإننا لا نحسن الاختيار لأنفسنا، ودبر لنا الأمور فإننا لا نحسن التدبير).
نعم أخوتي في الله ،،،
سلموا أموركم إلى الله، وأحسن عملك بجميع مستوياته، في علاقتك مع الله كن محسنًا كأنك تراه، وفي علاقتك مع البشر كن محسنًا بمثل ما تحب أن تعامل به، وفي علاقتك بالأشياء كن محسنًا يُحسن إليك و{هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ} الرحمن-آية:60، ثمرات الإحسان {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} النحل-آية:128، فالله معك إذا كنت محسنًا، {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} البقرة-آية:195، ففز بمعية الله ومحبة الله إن كنت من المحسنين.
أخي في الله ،،،
لا تنتهي هذه الساعة إلا وقد تبت وعزمت على تلكم الوقفة لعل الله يكشف الغمة عن جميع الأمة.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين